زخرت كتب الشيعة الإمامية بالنصوص الدالة على دفء العلاقة بين الصحابة وآل البيت، بل وثناء آل البيت عليهم -رضي الله عنهم- أجمعين، بحال لا يستطيع الشيعة له دفعًا.. وهنا نستعرض سريعًا بعض أبرز هذه النصوص..
فمن ذلك، ثناء علي بن أبي طالب على الصحابة رضوان الله عليهم جملة بقوله: «لقد رأيت أصحاب محمد -صلى الله عليه وآله- فما أرى أحدًا يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شُعثًا غُبرًا، وقد باتوا سُجّدًا وقيامًا، يراوِحُون بين جباهِهِم وخدودِهِم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادِهِم، كأن بين أعيُنِهِم رُكَبَ المِعْزَى من طول سجودهم، إذا ذُكر الله همَلت أعينُهم حتى تَبُل جُيُوبَهُم، ومادوا كما يميد الشجرُ يوم الريح العاصف خوفًا من العقاب ورجاءً للثواب» [نهج البلاغة: 143، دار الكتاب المصري، ط. الثالثة].
وينقل شيخهم الشريف المرتضى ثناء عليّ -رضي الله عنه- على الخلفاء الراشدين، فيما رواه عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رجلًا جاء إلى أمير المؤمنين -عليه السلام- فقال: «سمعتك تقول في الخطبة آنفًا: اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين، فمن هم؟ قال: حبيباي وعماي أبو بكر وعمر إماما الهدى وشيخا الإسلام ورجلا قريش، والمقتدى بهما بعد رسول الله -صلى الله عليه وآله-، من اقتدى بهما عصم، ومن اتبع آثارهما هدي إلى صراط مستقيم». [الشافي في الإمامة 3/ 93-94، مؤسسة الصادق، طهران].
ويروي ابن بابويه القُمّي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله: «إن أبا بكر مني بمنزلة السمع، وإن عمر مني بمنزلة البصر، وإن عثمان مني بمنزلة الفؤاد» [عيون أخبار الرضا 1/ 313، مؤسسة الإمام الكاظم].
ولقد توطدت العلاقة بين علي وأبي بكر -رضي الله عنهما- إلى حد أن زوجة أبي بكر أسماء بنت عميس هي التي كانت تمرّض فاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرض موتها، وكانت معها حتى الأنفاس الأخيرة؛ فيروي أبو جعفر الطوسي عن الحسين -عليه السلام- قال: «لما مرضت فاطمة بنت محمد رسول الله -صلى الله عليه وآله- وصت إلى علي بن أبي طالب -عليه السلام- أن يكتم أمرها، ويخفي خبرها، ولا يؤذن أحدًا بمرضها، ففعل ذلك وكان يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله على استمرار بذلك، كما وصت به» [الأمالي ص(109)، أحاديث المجلس الرابع، دار الثقافة، قُم، ط. الأولى].
كذلك فلقد زوج عليّ ابنته أم كلثوم من -عمر رضي الله عنه-، كما ذكر الطوسي عن جعفر عن أبيه -عليه السلام- قال: «ماتت أم كلثوم بنت عليّ -عليه السلام- وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدري أيهما هلك قبل، فلم يورث أحدهما من الآخر، وصلى عليهما جميعًا» [تهذيب الأحكام 9/ 362-363، باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في وقت واحد، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط. 1365هـ].
وكان من حب عليّ لعمر وعثمان -رضي الله عنهم- أنه سمى اثنين من أبنائه باسمهما، فيقول المفيد: «فأولاد أمير المؤمنين صلوات الله عليه سبعة وعشرون ولدًا ذكرًا وأنثى: (1) الحسن (2) الحسين… (6) عمر، وأمه أم حبيب بنت ربيعة… (10) عثمان، وأمه أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم». [الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1/ 354، باب ذكر أولاد أمير المؤمنين عليه السلام، دار المفيد].
وأكثر من هذا أن عليًا -رضي الله عنه- كان يؤمن بأن عمر من أهل الجنة لما سمعه من لسان الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصادق الأمين، ولأجل ذلك كان يتمنى بأن يلقى الله بالأعمال التي عملها الفاروق عمر رضي الله عنه في حياته، كما روى ذلك الشريف المرتضى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: «لما غسِّل عمر وكفِّن دخل عليّ -عليه السلام- فقال: ما على الأرض أحد أحب إليّ أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى [أي المُغَطّى] بين أظهركم» [الشافي في الإمامة 3/ 95، مؤسسة الصادق، طهران].
وفي المقابل، انظر ما تذكره كتب الإمامية عن إجلال عمر -رضي الله عنه- وتقديره لآل البيت، فينقل أبو جعفر الطوسي الطوسي [الأمالي، ص(336)، أحاديث المجلس الثاني عشر، دار الثقافة، قُم، ط. الأولى] ومحمد باقر المجلسي [بحار الأنوار 40/ 121، مؤسسة الوفاء، بيروت، ط. الثالثة] عن عليّ بن الحسين عن أبيه -عليهم السلام- قال: «قال عمر بن الخطاب: عيادة بني هاشم سنة وزيارتهم نافلة».
وماذا عن باقي الأئمة آل البيت رحمهم الله؟
فهذا الإمام الحسن العسكري يذكر في تفسيره [ص32، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي، قُم] قول رب العزة -جل جلاله- لموسى -عليه السلام-: «يا موسى أما علمت أن فضل صحابة محمد -صلى الله عليه وآله- على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبيين وكفضل محمد على جميع المرسلين»، ويذكر كذلك [ص392] قول الرب -سبحانه وتعالى-: «وإن رجلًا ممن يبغض آل محمد وأصحابه الخيرين أو واحدًا منهم لعذبه الله عذابًا لو قسِّم على مثل عدد ما خلق الله لأهلكهم أجمعين».
ويروي أحمد بن علي الطبرسي عن الإمام الباقر قوله: «ولست بمنكر فضل أبي بكر» [الاحتجاج 2/ 246، مطابع النعمان، النجف، ط. 1386هـ]، وقوله كذلك: «لست بمنكر فضل عمر، ولكن أبا بكر أفضل من عمر» [السابق 2/ 247].
وروى العياشي في تفسيره [2/ 328-329، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران] وعنه نقل المجلسي [بحار الأنوار 54/ 12، مؤسسة الوفاء، بيروت، ط. الثالثة] عن الإمام الباقر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا فقال: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام».
وغير ذلك الكثير.. [للتوسع، انظر: العلاقة الحميمة بين الصحابة وآل البيت، سليمان بن صالح الخراشي].
من هم النواصب؟
عندما تقرأ في كتب الشيعة المعتبرة، فإنك تعجب من أهل البيت على كثرة ما لقوه من أذى من أهل الكوفة وعلى عظيم صبرهم على أهل الكوفة على خيانتهم لهم وغدرهم بهم وقتلهم لهم وسلبهم أموالهم، وصبر أهل البيت على هذا كله، ومع هذا يُلقَى باللائمة على أهل السنة ويحمّلون المسئولية ويقال عنهم النواصب لمناصبتهم -زورًا- العداء لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم!
روى الكليني عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: «لو ميزت شيعتي لم أجدهم إلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد» [الروضة من الكافي (8/228)، رقم: 290، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط. الثانية].
ورووا عن الحسن -رضي الله عنه- أنه قال: «أرى والله معاوية خيرًا لي من هؤلاء يزعمون أنـهم لي شيعة، ابتغوا قتلي، وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي، والله لأن آخذ من معاوية عهدًا أحقن به من دمي، وآمن به في أهلي، خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلمًا، والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير» [أحمد بن علي الطبرسي: الاحتجاج (2/10)، مطابع النعمان، النجف، ط. 1386هـ].
وروى الطبرسي عن الإمام زين العابدين أنه قال لأهل الكوفة: «هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة؟ قاتلتموه وخذلتموه، فتبًا لكم لما قدمتم لأنفسكم وسوء لرأيكم، بأي عين تنظرون إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله- وهو يقول لكم: قاتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي» [السابق 2/ 32].
وكذلك روى عن فاطمة الصغرى أنها قالت في خطبة لها إلى أهل الكوفة: «يا أهل الكوفة، يا أهل الغدر والمكر والخيلاء، إنا أهل البيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنًا… فكفرتمونا وكذبتمونا ورأيتم قتالنا حلالًا وأموالنا نـهبًا… كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد منقدم… تبًا لكم فانتظروا اللعنة والعذاب فكأن قد حل بكم» [السابق 2/ 27-8].
فكان الله في عونكم يا أهل البيت على ما لقيتم من شيعتكم!
اقرأ كذلك: قصة الفتنة الكبرى بين الصحابة.
باختصار من كتاب حصان طروادة – الغارة الفكرية على الديار السنية، ص(607-617).