Aleister Crowley - اليستر كراولي - ايوان aiwass - ثيليما thelema --

من هو آليستر كراولي؟ وكيف انتشرت أفكاره كالفيروس؟

بعد أن أجبنا في الفصلين الثالث والرابع من كتاب “الأشرار” عن كيف تهيأ العقل الغربي نفسيًّا، وتدرج فلسفيًّا وفكريًّا ليصل إلى قناعة تجعله يتقبل الشر، ويتعاطف مع الشرير؟ وكيف نمَت الظاهرة التي أشار إليها الباحث “جراهام جونستون” في قوله البليغ: «نحن اليوم أمام ظاهرة عكسية، حيث صار أبطال الحداثة هم أشرارَ ما بعد الحداثة، وأشرار الحداثة صاروا هم أبطالَ ما بعد الحداثة»؟

يُمكِنُنا أن نَضُمَّ لهذا الخيط خيطًا آخَرَ تتضافر به المسألة وتتقوَّى..

كتاب الأشرار عمرو كامل الطبعة الثالثة

فإن إحدى ظواهر المُناخ العَدَمِيِّ الذي فشا في أوروبا في هذا الوقت هو “أليستر كراولي” Aleister Crowley (1875 – 1947)، هذا المهووس سليل إحدى الأُسر الإنجليزيَّة الوَثيرة، والذي قام أيضًا بنَبْذ التَّعاليم الدِّينيَّة الأُصوليَّة التي اتَّبَعَتْها أُسرته العريقة ومالَ إلى العُلوم الباطنيَّة من قبَّالاه وسحر أسود، وانضَمَّ لإحدى الجماعات السِّرِّيَّة.

Aleister Crowley

مشكلة “كراولي” ليست في مجرد كونِه رجلًا شريرًا من طِرازٍ خاصٍّ، سَلَّمَ نفسه لشيطانِه -أو الملاك الحامي Guardian Angel كما يزعم- والتَقَى الكائنَ الخارقَ “أيواس” Aiwass عِندَ سَفحِ أهرامات الجيزة، الذي أنزل عليه دين الـ “ثيليما” Thelema، وأملاه “كتاب القانون” The Book of the Law، وتَقرَّبَ إليه بصلواتٍ وطُقوسٍ جنسيَّةٍ يَتناولُ فيها هو وأتباعُه مُخدِّراتٍ ومُهلوِساتٍ، وكل ما يَتبادر إلى ذِهنِك مِن نجاساتٍ؛ مِن بين بولٍ، وبرازٍ، ودمِ حيضٍ، وماءِ الرِّجال! حتى استحق وقتها عن جدارة لقب “الرجل الأكثر شرًّا في العالم».

Aiwass

فلقد افتتح كراولي كتاب “القانون” بقوله:

“Every man and every woman is a star”

والمعنى: أنَّ «كل رجل وامرأة هو نجم»؛ أي: إله، كما جاء تفسيرها. فشكَّلت تلك العبارة مفهومًا عامًّا، نسج على منواله كل من سلك درب كراولي؛ كـ أنطون لافاي مؤسس كنيسة الشيطان -والذي سبقت الإشارةُ إليه- حيث فسَّر مفهوم عبادة الشيطان Satanism بقوله: “Each man, each woman, is a god, or goddess, in satanism”

أي: إنَّ «في الستانيزم، كل رجل وامرأة هو إله».

كما أكَّد على هذا المفهوم أحد أشهر أتباعه، وهو مغني الروك “مارلين مانسون” Marilyn Manson، حيث كتب في سيرته الذاتية: «الستانيزم هو أن تعبد نفسك؛ لأنَّك مسؤول عن خيرك وشرِّك».

Marilyn Manson – Anton LaVey

“Satanism is about worshipping yourself, because you are responsible for your own good and evil”.

وهذا ما عبَّر القرآن الكريم عنه بدقة بالغة في قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ﴾ [الجاثية: 23].

لقد أصبح كراولي -رغم شرِّه العجيب- أيقونةً ومصدرَ إلهامٍ لكثيرٍ ممَّن أتَوْا بعده، وتأثَّروا به ونشروا سُمومه، خصوصًا من خلال الفن والسينما، وروَّجوا لأفكاره وأقواله التي كتبها؛ كقوله المشهور في كتاب “القانون”:

“Do what thou wilt is the whole of the Law”

أي: «افعل ما تريد فهذا هو القانون كله».

وكقوله في أحد أشعاره التي كتبها بعنوان “ترنيمة إلى لوسيفر”:

“The key of joy is disobedience”

أي: إنَّ «العصيان هو مفتاح السعادة».

فصارتْ أقواله دستورًا للتَّمرُّد والانفتاح والحرية، وصارت أفعالُه نَمَطَ حياةٍ جذابًا، تَجَذَّرَ في وعي الأجيال الجديدة من الـ Baby Boomers، وانتشر بفضل فِرَقِ موسيقى الرُّوك الوليدة، التي أُعجبت به وبأفكاره وتَغَنَّتْ بها، لِتَلُوكَهَا ألسنةُ جماهيرِ الشَّباب من الهيبيز، وحركات السَّلام العالمي، حتى تَقَرَّرَتْ وصارت -بمرور الزمن- مفاهيمَ توارثَتْها الأجيالُ اللَّاحقةُ، يَتِمُّ غَرسُها اليومَ في النَّشءِ بشكلٍ مباشرٍ، في أغانٍ وأعمالٍ كثيرةٍ، كالتي سبق أن أشرنا إليها وغيرها الكثير .

Led Zeppelin

وكما يقول أحد أساتذة المخ والأعصاب -هو الدكتور “ريتشارد بليجرينو” Richard Pellegrino-: «من خلال عملي في مجال المخ والأعصاب لمدة خمسة وعشرين عامًا، ما زلت لا أستطيع التأثير على الحالة الذهنية لشخص ما بنفس القدر الذي تؤثر عليه أغنية بسيطة واحدة».

ولم يكن هذا الجانب فقط من أفكار كراولي الذي شكَّل نمط الحياة المعاصرة؛ فمن جانبٍ آخَرَ، العلاقات الجنسية المفتوحة والشاذة التي كان يسرف كراولي في ممارستها كطقوسٍ يَتقرَّبُ بها إلى شيطانه -وكان كراولي معروفًا بأنه Bisexual أي: ثنائي الجنس- كانت مصدرَ إعجابٍ وإلهامٍ للكثيرِ من أئمَّة الفساد، من أبرزهم المخرج والممثل الأمريكي “كينيث أنجر”Kenneth Anger  (1927 – 2023)، الذي عُرِفَ بأنه أحدُ أوائل المُخرجين الشَّواذ جنسيًّا، وأنه قام بإخراج عددٍ من أفلامهم قبل تقنين الشُّذوذ في أمريكا.

Kenneth Anger

وكذلك صديقه، الطبيب الأمريكي “ألفريد كينسي” Alfred Kinsey (1894 – 1956)، رائد التَّجارِب الجنسيَّة المُنحرفة، والذي بدوره تَمَرَّدَ على والده القِس المتشدِّد، ونبذ تعاليمه وازدراها، وتخصص في البيولوجيا وعلم الجنس Sexology، وأجرى تَجارِبَه الآثمةَ على الأطفال والكبار بغيرِ مبالاةٍ لأيِّ عواقبَ، وكان غرضُه تحريرَ الإنسانِ من كل القيود الجنسية، فكان كينسي مِعْوَلَ هدمٍ للقيم الاجتماعيَّة والثَّقافيَّة للمجتمع الأمريكي والعالم أجمع. والعجَب أن هوليوود التي تشبعت بأفكاره أنتجت في عام 2004 فيلمًا يُخلِّدُ سيرته.

Alfred Kinsey

المصدر: كتاب الأشرار.