أُثِرَ عن الإمام مالك وغيره من أئمة العلم قولهم عمن يطعنون في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هؤلاء إنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلًا صالحًا لكان أصحابه صالحين».
تبادر هذا القول إلى ذهني حينما شرعت في قراءة كتاب “أزمة البخاري” للمهندس معتز عبد الرحمن، والذي انطلقت صفحاته الأولى بطرح هذا السؤال:
لماذا الإمام البخاري دون غيره؟
أليس لديه ما لديهم من أحاديث؟
هل الأمر متعلق بشخص البخاري؟
أم لأنه هو الرمز لهذا العلم الشريف؛ علم الحديث؟
ظل الكتاب ينتظر عندي على الرف لفترة، وحينما جاء الدور تبين لي أني تأخرت، بل وأخطأت في ترتيب أولوياتي في القراءة؛ فأكثر ما يميز الكتاب في رأيي هو أنه ليس كتابًا جامدًا في علم مصطلح الحديث، ولا كتابًا دفاعيًّا حماسيًّا عن الحديث الشريف ورجاله.. ولكنه كتاب يخاطب العقل ويرد على كل الإشكالات والشبهات بأسلوب منطقي وسهل، اجتهد كاتبه الماهر في تيسير المصطلحات الحديثية العلمية في صفحاته الأولى كتأسيس للنقاشات الممتعة التي تأتي في الفصول التالية، لكي يكون للقارئ إلمام وثقافة بهذا العلم النادر الشريف ابتداء، ينبع منه تلقائيًّا تقدير وتوقير لهذا العلم ورجاله، والمجهود الضخم والمنهج القويم الذي أسسوا له ورسخوا قواعده، والذي لا تزال مناهج البحث التاريخي المعاصرة منه ببعيد.
كتاب أزمة البخاري هو باختصار -لا أقولها مبالغة أو مجاملة- كتاب لا يصح أن يخلو منه بيت مسلم، بل ويلزم كل رب بيت أن يقرأه ويُلِم بمحتواه ولو إجمالًا، صيانة له ولبيته ولذريته؛ فلا نعلم ماذا تحمل الأيام للأجيال الجديدة التي حالت بينها وبين تعلم ثوابت الدين عوامل كثيرة ليس هذا مقام سردها، ولله الأمر والمشتكى.
لقد برع المهندس معتز عبد الرحمن في إعداد هذا الكتاب القيم، وأحسب أن نيته كانت سببًا في هذا التوفيق من الله عز وجل، بخلاف العقلية والروح الهندسية التي يتمتع بها، والتي أعطت هذا الكتاب وطريقة طرحه لونًا مميزًا ماتعًا، وهو كتابه الثاني بعد كتابه الأول بعنوان “وقت مستقطع”، فجزاه الله خيرًا، وبارك الله فيه وفي علمه وقلمه.