بعد مقتل عثمان بن عفان الخليفة الثالث وأمير المؤمنين، وقع الاختيار على عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه وعن عثمان، وكانت بيعته بيعة شرعية لا يسع أحدًا من المسلمين نكثُها..
قال ابن تيمية[1]: «المنصوص عن أحمد تبديع كل من توقف في خلافة علي، وقال: هو أضل من حمار أهله، وأمر بهجرانه، ونهى عن مناكحته، ولم يتردد أحمد ولا أحد من أئمة السنة في أنه ليس غير عليٍّ -رضي الله عنه- أولى بالحق منه، ولا شكُّوا في ذلك».
يتبين لنا بدايةً من كلام الإمام ابن تيمية أن الإشكال لا يدور في الأساس حول استحقاق علي -رضي الله عنه- الخلافة، فكلامه قد أغلق الباب في المسألة، ولو أن أحدًا طعن في ذلك لما صح انتسابه إلى السنّة والجماعة. لكن الإشكال الذي نواجهه يدور حول الخلط بين بيعة عليّ وبين قتال الفتنة الذي كان الخلاف حوله اجتهاديًا مصلحيًا تضاربت فيه الآراء بين الصحابة، وكان الإمساك عنه أولى وأحوط.
وليكن غرضنا إذن من هذا المقال إلقاء الضوء على ثلاث أركان أساسية في مسألة الفتنة بين الصحابة رضوان الله عليهم، وهي:
-
- أولًا: تدوين التاريخ.
-
- ثانيًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.
-
- ثالثًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة.
إن الأمر الذي لا بد أن يعيه الباحثون في التاريخ الإسلامي أن الحقائق التاريخية الناصعة فيه ينبغي استخراجها من الأنقاض، أنقاض الأوهام والمفتريات وأنقاض الأهواء والبدع والعصبيات والمذهبيات وما يتعلق بها، مما افتراه المفترون ووضعه الوضاعون من بين رواة الأخبار. وإذا أخذنا الحديث النبوي وما لحقه من وضع وتحريف، فإن الذين تورطوا في ذلك ليسوا قِلَّة حتى احتاجوا من جهابذة العلماء إلى تصانيف خاصة بهم كالمجروحين والمتروكين والضعفاء.
على أن غالبية النصوص والروايات التاريخية إنما دونت بعد نشأة الفرق المتمذهبة، وظهور أصحاب الأهواء والبدع والزنادقة. ومعلوم أن من أسباب الكذب حرص أصحاب البدع والأهواء على دعوة الناس إلى بدعهم، ودعوة الفرق ذات الآراء السياسية إلى آرائها.
ومن ضمن خطط تزييف الأخبار وترويج الشائعات الكاذبة التي استهدفت النيل من الإسلام بتشويه سيرة الصحابة رضوان الله عليهم، إذ إن التشكيك في ثقتهم وعدالتهم هو تشكيك بالتالي في صحة الإسلام وعدم صلاحيته[2]. غير ذلك فإن القدح في أهل خير القرون الذين صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم هو بمثابة القدح فيه؛ قال الإمام مالك وغيره من أئمة العلم: «هؤلاء -يعني الرافضة ومن على شاكلتهم- طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلًا صالحًا لكان أصحابه صالحين»[3].
يقول الدكتور محمد أمحزون[4]: «وأما الخوض في السب باسم النقد العلمي أو حرية البحث في تاريخ صدر الإسلام فلم يخرج قِيد أُنْمُلَة عن السب القديم، وكل ما فعله الطاعنون الجدد أنهم أحيوا هذا السب الذي أماته أهل السنة لما كانت الدولة دولتهم والسلطان سلطانهم، وكان أهل الزندقة والبدع مقموعين.
وهذا السب إنما أحيي حديثًا على يد طوائف الكفار الحاقدين على الإسلام، ومن قلَّدهم من أبناء هذه الأمة إما جهلًا وإما افتتانًا بالغرب ومناهجه، الواقعون في حرمات الله باسم حرية الرأي والبحث العلمي، ناسين أو متناسين أن للمنهج العلمي في الإسلام وتاريخه قواعد وأصولًا وضوابط شرعية يجب على الباحث أن يلتزم بها، ويكون بحثه واجتهاده في نطاقها حتى لا تجيء نتائج أبحاثه ودراساته مناقضة للواقع وللقواعد الشرعية والأحكام الإسلامية».
***
يقول محب الدين الخطيب[5]: «إن التاريخ الإسلامي لم يبدأ تدوينه إلا بعد زوال بنى أمية وقيام دول لا يسُر رجالها التحدث بمفاخر ذلك الماضي ومحاسن أهله. فتولى تدوين تاريخ الإسلام ثلاث طوائف:
-
- طائفة كانت تنشد العيش والجدة من التقرب إلى مبغضي بني أمية بما تكتبه وتؤلفه.
-
- وطائفة ظنت أن التدوين لا يتم، ولا يكون التقرب إلى الله، إلا بتشويه سمعة أبي بكر وعمر وعثمان وبنى عبد شمس جميعًا.
-
- وطائفة ثالثة من أهل الإنصاف والدين، كالطبري وابن عساكر وابن الأثير وابن كثير.. رأت أن من الإنصاف أن تجمع أخبار الإخباريين من كل المذاهب والمشارب كأبي مخنف لوط بن يحيى وهشام الكلبي والواقدي وسيف بن عمر العراقي.. ولعل بعضهم اضطر إلى ذلك إرضاء لجهات كان يشعر بقوتها ومكانتها».
ويعقب الدكتور محمد أمحزون فيقول[6]: «وقد أثبت هؤلاء أسماء رواة الأخبار التي أوردوها ليكون الباحث على بصيرة من كل خبر بالبحث عن حال رواته. وقد وصلت إلينا هذه التركة لا على أنها هي تاريخنا، بل على أنها مادة غزيرة للدرس والبحث يستخرج منها تاريخنا. وهذا ممكن ميسور إذا تولاه من يلاحظ مواطن القوة والضعف في هذه المصادر وفق المقاييس الشرعية، فيستخلص بذلك حقيقة ما وقع، ويجردها عن الذي لم يقع، مكتفيًا بأصول الأخبار الصحيحة مجردة عن التحريفات الطارئة عليها، وإن الرجوع إلى كتب الحديث وملاحظات الأئمة والعلماء مما يسهل هذه المهمة».
ولقد دلنا على ذلك ما قاله الإمام الطبري رحمه الله في مقدمة تاريخه، قال[7]: «وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما شرطت أني راسمه فيه، إنما هو على ما رُويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها. فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهًا من الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قِبَلنا، وإنما أتى من قِبَل ناقليه إلينا، وإنَّا إنما أدينا ذلك على نحو ما أُدِّي إلينا»اهـ.
***
ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:
في البداية نقول: يلزم دارس التاريخ أن يدرس الظروف التي وقعت فيها أحداثه، والحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي اكتنفت تلك الأحداث، والأحداث التي دفعت إلى ارتكاب الخطأ قبل أن يحكم عليها، حتى يكون حكمه أقرب إلى الصواب. ونكتفي هنا بمثال واحد لبيان الطريقة المثالية في معالجة القضايا والأخطاء، ألا وهو موقف النبي صلى الله عليه وسلم من صنيع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، حين أرسل كتابًا مع امرأة من المشركين ليخبرهم بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة.
ومن هذه الحادثة نستطيع أن نحدد ثلاث مراحل للمعالجة العادلة للخطأ أو الحادث:
-
- المرحلة الأولى: مرحلة التثبت من وقوع الخطأ أو وقوع الحادث، وفي هذا الحادث تم التثبت عن طريق أوثق المصادر ألا وهو الوحي.
-
- المرحلة الثانية: مرحلة التثبت وتبين الأسباب التي دفعت إلى ارتكاب الخطأ، وهذا الأمر متمثل في قوله صلى الله عليه وسلم لحاطب: «ما حملك على ما صنعت؟»[8]، وهذه المرحلة مهمة، لأنه إذا تبين بعد طرح هذا السؤال أن هناك عذرًا شرعيًا في ارتكاب الخطأ تنتهي القضية عند هذا الحد، فإذا لم يكن العذر مقنعًا من الناحية الشرعية فإنه يصار إلى:
-
- المرحلة الثالثة: وفيها يتم جمع الحسنات والأعمال الخيِّرة لمرتكب الخطأ، وحشدها إلى جانب خطئه، فقد ينغمر هذا الخطأ أو هذه السيئة في بحر حسناته. وهذا الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم مع حاطب رضي الله عنه حيث قال لعمر عندما استأذن في قتل حاطب: «أليس من أهل بدر؟»، ثم قال: «لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم»[9].
ولذا، ينبغي أن نعلم أن تلك الأحداث الواقعة في صدر الإسلام لا يبررها غير ظروفها التي وقعت فيها، فلا تحكم عليها بالعقلية أو الظروف التي نعيش فيها نحن أو بأية ظروف يعيش فيها غير أصحاب تلك الأحداث، لأن الحكم حينئذ لن يستند إلى مبررات موضوعية، وبالتالي تكون نظرة الحاكم إلى هذه الوقائع لم تستكمل وسائل الحكم الصحيح، فيصدر الحكم غير مطابق للواقع[10].
ولو تأملنا حادثة مقتل عثمان رضي الله عنه لوجدنا أن قتل الخليفة لم يكن هو الغاية التي يقصدها من خطط لهذا الحصار، وإلا لو كان كذلك لهان الأمر، وسكنت الفتنة، واستبدل خليفة بخليفة وعادت الأمور إلى نصابها، ولكن بعض رواد الفتنة كانت لهم غاية أبعد أثرًا وأعمق غورًا من قتل الخليفة واستبدال آخر به، إن غايتهم هي هدم حقيقة الإسلام والنيل من عقيدته وتشويه مبادئه في شخص الخليفة المقتول، وإثارة الأحقاد والخلافات بين المسلمين[11].
لقد كان مقتل عثمان سببًا مباشرًا في خلق أزمة أخرى، أو بالأحرى فتنة ثانية تضاربت فيها الآراء وتباينت فيها وجهات النظر، واختلفت الاجتهادات في الوسيلة للانتقام من الخوارج الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه.
-
- فرأت طائفة من الصحابة أن أول واجب على الأمة هو الثأر لخليفتها الشهيد والقصاص من القتلة الآثمين.
-
- ورأى آخرون أن أول ما ينبغي هو اجتماع الكلمة واستتباب الأمن، والصبر حتى تهدأ الأحوال وتنكشف ذيول المؤامرة، ثم يكون استئصال شأفتها وقطع دابر دواعيها.
-
- ورأت طائفة ثالثة أن الخليفة المظلوم لم يحتمل ذلك الحصار الآثم، ويمنع أتباعه المؤمنين من ذلك إلا حرصًا على ألا تراق قطرة دم أو تثور أدنى فتنة بين أمة الإسلام، فالأولى بمن بعده أن يؤثروا العافية، وألا يكونوا طرفًا في أي نزاع، خاصة وأن الأحاديث الواردة في هذا الباب تنهى عن القتال في الفتنة[12].
والطائفة الأولى: كانت طائفة معاوية وطلحة والزبير وعائشة ومن كان على رأيهم، فكان معاوية رضي الله عنه يرى وجوب التعجيل بقتل قتلة عثمان رضي الله عنه، وذلك لأن معاوية وعثمان رضي الله عنهما أبناء عمومة. ولم يكن معاوية مدعيًا الخلافة ولا منكرًا حق علي رضي الله عنه فيها، وإنما كان ممتنعًا عن بيعته وعن تنفيذ أوامره في الشام حيث كان متغلبًا عليها بحكم الواقع لا بحكم القانون، مستفيدًا من طاعة الناس له بعد أن بقي واليًا فيها زهاء عشرين سنة[13]، قال ابن كثير[14]: «قال معاوية: لا أبايعه [أي عليًّا] حتى يسلمني قتلة عثمان فإنه قتل مظلومًا، وقد قال الله تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)[15]»،
أما عن طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم، فهم أيضًا لم ينازعوا عليًا الخلافة أو يطعنوا في إمامته، وإنما خرجوا مطالبين بدم عثمان يريدون الإسراع في تنفيذ حد القصاص على قتلته، ولقد روى الإمام الطبري بسند صحيح عن الأحنف بن قيس قال[16]: «خرجنا حجاجًا فقدمنا المدينة، فبينا نحن في منازلنا نضع رحالنا إذ أتانا آت فقال: إن الناس قد فزعوا واجتمعوا في المسجد، فانطلقنا إلى المسجد، – فذكر الحديث في مناشدة عثمان الصحابة، وإقرارهم بمناقبه -، قال الأحنف بن قيس: فلقيت طلحة والزبير فقلت: لا أرى هذا الرجل إلا مقتولًا، فمن تأمراني أن أبايع؟ فقالا: عليًا، فقلت: أتأمراني بذلك وترضيانه لي؟ فقالا: نعم. فخرجت حتى قدمت مكة، فأنا كذلك إذ قيل: قُتِلَ عثمان بن عفان، وبها عائشة أم المؤمنين فأتيتها فقلت لها: أنشدك الله، من تأمريني أن أبايع؟ فقالت عليًا، فقلت: أتأمريني بذلك وترضينه لي؟ قالت نعم. فخرجت، فقدمت على عليٍّ بالمدينة فبايعت ثم رجعت إلى أهل البصرة، ولا أرى إلا الأمر قد استقام، فبينا نحن كذلك إذ أتاني آتٍ فقال: هذه عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير قد نزلوا الخريبة[17]، فقلت: فما جاء بهم؟ قال: أرسلوا إليك يستنصرون على دم عثمان قتل مظلومًا».
والطائفة الثانية: وهم علي رضي الله عنه وشيعته، فكانوا يرون تأخير تتبع قتلة عثمان بعد حسم أمر الخلافة والتملك من زمام الأمور، حيث إن قتلة عثمان لهم قبائل تدافع عنهم، والأمن غير مستتب، ومازالت الفتنة قائمة.
ومعلوم أن عليًا رضي الله عنه كان في موقفه أسَدَّ رأيًا وأصوب قيلًا، لأنه لو أسرع إلى تنفيذ القصاص في قتلة عثمان لتعصبت لهم قبائل وصارت حربًا أهلية، وقد حدث هذا عندما تعاطى طلحة والزبير القود من قتلة عثمان بالبصرة، فغضب لهم آلاف من الناس وتعصبوا لهم، واجتمعوا على حرب طلحة والزبير[18].
وقد قال لهما القعقاع بن عمرو: «قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائة إلا رجلًا فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم ذلك الذي أفلت [يعني حرقوص بن زهير] فمنعه ستة آلاف وهم على رجل، فإن تركتموه كنتم تاركين لما تقولون، وإن قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا[19] عليكم، فالذي حذرتم وقربتم به هذا الأمر أعظم مما أراكم تكرهون، وأنتم أحميتم مضر وربيعة من هذه البلاد فاجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء، كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحدث العظيم والذنب الكبير. فقالت أم المؤمنين رضي الله عنها: فتقول أنت ماذا؟ قال: أقول هذا الأمر دواؤه التسكين، وإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا[20] فعلامة خير وتباشير رحمة ودرك بثأر هذا الرجل وعافية وسلامة لهذه الأمة، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر وذهاب هذا الثأر، وبعثة الله في هذه الأمة هزاهزها[21] فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم تكونون، ولا تعرضونا للبلاء ولا تعرضوا له فيصرعنا وإياكم، وأيم الله إني لأقول هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف ألا يتم حتى يأخذ الله -عز وجل- حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها ونزل بها ما نزل، فإن هذا الأمر الذي حدث أمر ليس يقدّر، وليس كالأمور، ولا كقتل الرجل الرجل، ولا النفر الرجل، ولا القبيلة الرجل. فقالوا: نعم، إذًا قد أحسنت وأصبت المقالة، فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر. فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه»[22].
أما الطائفة الثالثة: وهم جل الصحابة رضي الله عنهم كسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وسلمة بن الأكوع وغيرهم… وهؤلاء اعتزلوا الفتنة اعتمادًا على أصل شرعي ثابت بنصوص صريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها أوامر عينية في حق المخاطبين بها، وهذا الأصل هو ترك القتال في الفتنة.
وقد روى ابن عساكر في تاريخه أن سعدًا رضي الله عنه ضرب لهم مثلًا وقال: «مثلنا ومثلكم كمثل قوم كانوا على محجة[23]، فبينا هم كذلك يسيرون هاجت ريح عجاجة فضلوا الطريق والتبس عليهم، فقال بعضهم: الطريق ذات اليمين فأخذوا فيه فتاهوا وضلوا، وقال آخرون: الطريق ذات الشمال، فأخذوا فيه فتاهوا وضلوا، وقال الآخرون: كنا على الطريق حيث هاجت الريح، فننيخ[24]، فأناخوا، وأصبحوا، وذهبت الريح، وتبينت الطريق، فهؤلاء هم أهل الجماعة، قالوا: نلزم ما فارقنا عليه رسول الله رضي الله عنه حتى نلقاه، ولا ندخل في شيء من الفتن حتى نلقاه»[25].
***
وقعة الجمل (36هـ):
كما تبين لنا من رواية الطبري عن القعقاع بن عمرو أن الفريقين أشرفا على الصلح نزولًا على رأي علي رضي الله عنه، أيضًا كان هذا رأي طلحة والزبير رضي الله عنهما، وقد روى الطبري أنه قيل للزبير قبل يوم الصلح: «إن الرأي أن تبعث ألف فارس إلى علي قبل أن يوافي إليه أصحابه، فقال: إنا لنعرف أمور الحرب ولكنهم أهل دعوتنا – ديننا – وهذا أمر حدث لم يكن قبل اليوم، من لم يلق الله فيه بعذر انقطع عذره يوم القيامة، وقد فارقنا وفدهم على أمر، وأنا أرجو أن يتم لنا الصلح فأبشروا واصبروا»[26].
فلا يمكن أن يفهم عاقل يقف على النصوص السابقة أن زعماء الفريقين هم الذين حركوا معركة الجمل وأوقدوا نارها، وكيف يتأتَّى ذلك وكلا الطرفين كانت كلمة الصلح قد نزلت من نفوسهم وقلوبهم منزلًا حسنا، ولكنهم قتلة عثمان أصحاب ابن سبأ هم الذين أشعلوا فتيلها وأججوا نارها حتى يفلتوا من حد القصاص[27].
روى الطبري[28]: «…فلما نزل الناس واطمأنوا خرج علي وخرج طلحة والزبير فتواقفوا وتكلموا فيما اختلفوا فيه، فلم يجدوا أمرًا هو أمثل من الصلح ووضع الحرب حين رأوا الأمر قد أخذ في الانقشاع وأنه لا يدرك، فافترقوا عن موقفهم على ذلك ورجع علي إلى عسكره وطلحة والزبير إلى عسكرهما، وأرسل طلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما وأرسل علي إلى رؤساء أصحابه ما خلا أولئك الذين حاصروا عثمان، فباتوا على الصلح وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة باتوها قط، قد أشرفوا على الهلكة، وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السر واستسروا بذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من الشر».
ويقول ابن حزم[29]: «فلما كان الليل عرف قتلة عثمان أن الإراغة والتدبير عليهم، فبيَّتوا عسكر طلحة والزبير وبذلوا السيف فيهم، فدفع القوم عن أنفسهم في دعوى حتى خالطوا عسكر علي، فدفع أهله عن أنفسهم، وكل طائفة تظن – ولا شك – أن الأخرى بدأتها القتال».
وفي تلك المعركة المؤسفة التي لم تكن برضا الطرفين من الصحابة، كان علي رضي الله عنه يتوجع على قتلى الفريقين ويقول: «وددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة»[30].
وعن مجاهد بن جبر (ت. 104هـ) أن محمد بن أبي بكر أو محمد بن طلحة قال لعائشة يوم الجمل: «يا أم المؤمنين، ما تأمريني؟ قالت: يا بني! إن استطعت أن تكون كالخير من ابني آدم فافعل»[31].
***
لما انتهت واقعة الجمل أرسل علي رضي الله عنه جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه إلى بيعته، فطلب معاوية عمرو بن العاص ورءوس أهل الشام فاستشارهم فأبوا أن يبايعوه حتى يقتل قتلة عثمان أو أن يسلم إليهم قتلة عثمان[32].
وراج عند العوام والجهلة من أهل الشام أن لعلي يدًا في قتل عثمان، وذلك لأربعة أمور:
الأمر الأول: عدم قتله قتلة عثمان.
الأمر الثاني: معركة الجمل.
الأمر الثالث: تركه المدينة وسكنه بالكوفة، والكوفة هي معقل قتلة عثمان.
الأمر الرابع: أن في جيش علي من هو متهم بقتل عثمان[33].
فلما امتنع معاوية رضي الله عنه عن البيعة، استخلف علي رضي الله عنه على الكوفة أبا مسعود عقبة بن عامر البدري الأنصاري، وخرج بجيش قوامه مئة ألف إلى صِفِّين في الشام. وبلغ معاوية أن عليًا تجهز وخرج بنفسه لقتاله فأشار عليه رجاله أن يخرج هو أيضًا بنفسه، فخرج الشاميون نحو صفين، والتقى الجيشان، ونشب القتال.
قال ابن العربي[34]: «وأما الصواب فيه فمع علي، وتهمة الطالب للقاضي لا توجب عليه أن يخرج عليه، بل يطلب الحق عنده، فإن ظهر له قضاءٌ وإلا سكت وصبر، فكم من حق يحكم الله فيه. وإن لم يكن له دين فحينئذ يخرج عليه، فيقوم له عذر في الدنيا. ولئن اتُّهِم عليٌّ بقتل عثمان فليس في المدينة أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو متهم به، أو قُل معلوم قطعًا أنه قتله، لأن ألف رجل جاءوا لقتل عثمان لا يغلبون أربعين ألفا!».
***
قضية التحكيم (37 هـ):
انتهت معركة صِفِّين بالتحكيم؛ فروى الإمام أحمد عن حبيب بن أبي ثابت قال: «أتيت أبا وائل في مسجد أهله أسأله عن هؤلاء القوم الذين قتلهم عليٌّ بالنهروان، فيما استجابوا له وفيما فارقوه وفيما استحل قتالهم، قال: كنا بصِفِّين فلما استحرَّ القتل بأهل الشام اعتصموا بتَلٍّ، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: أرسل إلى عليٍّ بمصحف وادعه إلى كتاب الله فإنه لن يأبى عليك، فجاء به رجل، فقال: بيننا وبينكم كتاب الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ)[35]، فقال عليٌّ: نعم أنا أولى بذلك، بيننا وبينكم كتاب الله»[36].
ولما لحادث التحكيم من أهمية في التاريخ السياسي للدولة الإسلامية، فإنه من الضروري إجلاء حقيقة وقائعه، حيث أسيء تصوير هذا الحادث بقدر ما أسيء تفسيره، فنتج عن الأمرين خلط كثير وإساءة إلى مكانة الصحابة وقدرهم، حيث باتت القصة الشائعة بين الناس عن حادث التحكيم تتهم بعضهم بالخداع والغفلة، وتتهم آخرين بالصراع حول السلطة، وقد ذكر الرواية المشهورة بطولها الإمام الطبري في تاريخه من طريق أبي مخنف لوط بن يحيى عن أبي جناب الكلبي[37].
قال القاضي ابن العربي[38]: «وقد تَحَكَّم الناس في التحكيم فقالوا فيه مالا يرضاه الله، وإذا [لاحظتموه] بعين المروءة – دون الديانة – رأيتم أنها سخافة حمل على سطرها في الكتب في الأكثر عدم الدين، وفي الأقل جهل متين».
وقال ابن تيمية[39]: «ومعاوية لم يَدَّع الخلافة، ولم يُبايَع له بها حين قاتل عليًا، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة، ويقرون له بذلك، وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه، ولا كان معاوية وأصحابه يرون أن يبتدئوا عليًا وأصحابه بالقتال ولا يعلوا. بل لما رأى علي رضي الله عنه وأصحابه أنه يجب عليهم طاعته ومبايعته، إذ لا يكون للمسلمين إلا خليفة واحد، وأنهم خارجون عن طاعته يمتنعون عن هذا الواجب، وهم أهل شوكة، رأى أن يقاتلهم حتى يؤدوا هذا الواجب، فتحصل الطاعة والجماعة»اهـ.
ولو افتُرِضَ – جدلًا – أن معاوية رضي الله عنه قد اتخذ قضية القصاص والثأر لعثمان ذريعة لقتال علي رضي الله عنه طمعًا في السلطان، فماذا سيحدث لو تمكن عليٌّ من إقامة الحد على قتلة عثمان؟ حتمًا ستكون النتيجة خضوع معاوية لعليٍّ ومبايعته له، لأنه التزم بذلك في موقفه من تلك الفتنة، كما أن كل من حارب معه كانوا يقاتلون على أساس إقامة الحد على قتلة عثمان، على أن معاوية إذا كان يخفي في نفسه شيئًا آخر لم يعلن عنه، سيكون هذا الموقف بالتالي مغامرة، ولا يمكن أن يقدم عليها إذا كان ذا مطامع.
وحاشانا أن نقول ذلك، فلقد كان معاوية رضي الله عنه من كُتَّاب الوحي، ومن أفاضل الصحابة، وأكثرهم حلمًا، فكيف يُعتَقَد أن يقاتِل الخليفة الشرعي ويهرق دماء المسلمين من أجل مُلك زائل؟[40].
وبإخضاع الرواية الشائعة عن التحكيم للدراسة والتحليل يلاحظ عليها أنها لا تصح سندًا ولا متنًا:
فسندًا: لأن فيها راويين متهمين في عدالتهما، أحدهما: أبو مخنف لوط بن يحيى (ت. 157هـ)، قال عنه الإمام الذهبي: «أبو مخنف إخباري تالف، لا يوثق به، تركه أبو حاتم وغيره»، وقال الدارقطني (ت. 385هـ): «ضعيف»، وقال ابن عدي (ت. 365هـ): «شيعي محترق صاحب أخبارهم»، وقال ابن معين (ت. 233هـ): «ليس بثقة»، وقال مرة: «ليس بشيء»، وقال أبو حاتم (ت. 277هـ): «متروك الحديث»، وسُئل عنه مرة فنفض يده وقال: «أحد يسأل عن هذا!»[41]، وقال ابن كثير[42]: «هو متهم فيما يرويه، ولا سيما في باب التشيع».
وأما الثاني فهو: يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي (ت. 147هـ)، قال فيه ابن سعد (ت. 230هـ)[43]: «ضعيف»، وقال ابن أبي حاتم (ت. 327هـ)[44]: «قال ابن معين: ضعيف الحديث، وكان يحيى القطان [ت. 198هـ] يضعفه»اهـ.
أما متنًا: فلأن الخلاف لم يكن أصلًا على الحكم كما أفضنا، وما صح هو ما رواه القاضي ابن العربي رحمه الله، فقال[45]: «ذكر الدارقطني بسنده إلى حُضين بن المنذر[46]: لما عزل عمرو معاوية جاء [أي حضين] فضرب فسطاطه قريبًا من فسطاط معاوية، فبلغ نبؤه معاوية، فأرسل إليه فقال: إنه بلغني عن هذا [أي عن عمرو بن العاص] كذا وكذا، فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه. فأتيته فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا، ولكن قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه في النفر الذين تُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ. قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يستعن بكما ففيكما المعونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما…». وليس من شك في أن أمر الخلاف الذي رأى الحكمان رده إلى الأمة أو إلى أهل الشورى ليس إلا أمر الخلاف بين علي ومعاوية حول قتلة عثمان، وهو ما أطبقت على ذكره المصادر الإسلامية[47].
يقول محب الدين الخطيب[48]: «فرواية الدارقطني هذه – وهو من أعلام الحديث – عن رجال عدول معروفين بالتثبيت، ويقدرون مسئولية النقل هي التي تتناسب مع ماضي عمرو وأبي موسى وأيامهما في الإسلام ومكانتهما من النبي صلى الله عليه وسلم وموضعهما من ثقة الفريقين بهما واختيارهما من بين السادة القادة المجرَّبين»اهـ.
***
ثالثًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:
يتلخص موقف أهل السنة والجماعة في وجوب الكف عمَّا شجر بين الصحابة، والاشتغال بنشر فضائلهم وإذاعة مناقبهم في العالمين، قال ابن كثير[49]: «سُئِلَ الإمام أحمد عما جرى بين علي ومعاوية فقرأ (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[50]، وكذا نُقِلَ عن غير واحد من السلف، كما قال بعضهم: «تلك دماء قد طهَّر الله منها يدي، فلا أخضب بها لساني»([51]).
وقال القرطبي[52]: «لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبِّهم [لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه (رواه البخاري)]، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم».
وعليه، فنؤمن أن كلا الفريقين كان على الحق، وكلاهما مثاب، بدليل الآتي:
-
- كلا الفريقين كان مجتهدًا، متأولًا، عالمًا، لا متبعًا لهوى، ولا قاصدًا معصية، ولا محض دنيا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»[53].
-
- قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج: «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحق»[54]، فهذا دليل على أن كلا الفريقين كان على الحق ولكن أحدهما كان أقرب للحق من الآخر، ولما كان يوم النهروان (38هـ) وانتصر علي رضي الله عنه على الخوارج، صار يبحث في القتلى عن ذا الثدية – والذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى[55] -، حتى وجده فيهم، وسجد لله شكرًا إذ علم أنه أولى الطائفتين بالحق. أيضًا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر رضي الله عنه: «تقتلك الفئة الباغية»[56]، وكان عمار في جيش علي رضي الله عنه يوم صِفِّين، والذي قتله من جيش معاوية رضي الله عنه لم يكن صحابيًا.
-
- أما قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار»[57]، ففيه قال الإمام النووي[58]: «اعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية، ولا محض دنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق، ومخالفه يأثم، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله، وكان بعضهم مصيبًا وبعضهم مخطئًا معذورًا في الخطأ، لأنه اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه. وعلي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب، هذا مذهب أهل السنة، وكانت القضايا مشتبهة حتى إن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين، ولم يقاتلوا، ولم يتيقنوا الصواب، ثم تأخروا في مساعدته منهم». وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»[59]، فالمراد به الكفر الأصغر غير المخرج من الملة، قال النووي رحمه الله[60]: «وأما قتاله بغير حق فلا يكفر به عند أهل الحق كفرًا يخرج به من الملة إلا إذا استحله»اهـ.
مصدر المقال: باختصار من كتاب حصان طروادة؛ الغارة الفكرية على الديار السنّية – عمرو كامل عمر.
مراجع البحث:
-
- فائدة: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «الكفر أصل ذو شُعَب، فكما أن شعب الإيمان إيمان، فشعب الكفر كفر، والحياء شعبة من الإيمان، وقلة الحياء شعبة من الكفر، والصدق شعبة من الإيمان، والكذب شعبة من الكفر…» وكذا إلى أن قال رحمه الله: «والمعاصي كلها شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان»اهـ [ابن قيم الجوزية: الصلاة وحكم تاركها، ص(36)]، وإذا تقرر ما سبق، فلا يلزم من قيام شعبة من شعب الكفر بالعبد أن يصير كافرًا الكفر المطلق، حتى تقوم به حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمنًا، حتى يقوم به أصل الإيمان. [انظر، د. محمد يسري إبراهيم: الإحكام في قواعد الحكم على الأنام، ص(34، 40-1)].