فإن صرف الناس عن اللغة العربية وترغيبهم في اللهجات العامية كان له غرضان أساسيان: الغرض الأول منهما هو صرفهم عن القرآن الكريم.. وبالتالي صرفهم عما يحتويه من شريعة وأحكام.. وبالتالي صرفهم تدريجيا عن دين الله عز وجل.. لتخرج أجيال “لا صلة لها بربها”، على حد وصف المبشّر صمويل زويمر..أما الغرض الآخر فهو تمزيق هذه الأمة “الواحدة” وصهرها في بوتقة الحداثة الغربية وما أفرزته بأفكارها ومبادئها من دول قومية تكتسب هويتها من لغاتها ولهجاتها المحدودة بحدودها الجغرافية، ضاع فيها استخدام اللاتينية الكلاسيكية لصالح اللاتينية الشعبية واللهجات المحلية، والتي كانت تكنولوجيا الطباعة الحديثة سلاحا قويا في صالحها.أما في حال الأمة الإسلامية “الواحدة” فإن اللغة الكلاسيكية “لغة القرآن” هي عنصر جوهري في ممارساتها الدينية، وليس من الممكن أن يتم إهمالها بشكل واع ومعلن.إذن اللغة العربية، هي لغة متخطية للحدود التاريخية والجغرافية والقومية، بل والحدود “الزمكانية” إن صح التعبير؛ فهي لغة كلام الله المنزّه المنزّل من فوق سبع سموات، وهي لغة أهل الجنة.. فكيف لا تكون الحرب عليها بهذه الضراوة؟!بكلتا النقطتين يتبين لنا ملمح مهم من ملامح الإعجاز القرآني، بخلاف الإعجاز اللغوي والعلمي والتشريعي وما إلى ذلك.. ألا وهو صيانة هذه الأمة والحفاظ على وحدتها ووجودها إلى قيام الساعة.. استحضارا لقول الله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) [الأنبياء 92]، وقوله عز وجل: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم) [آل عمران: 110]، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: (تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله).